فصل: (مسألة: إمكان الأداء من شرط الضمان)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: ضم النتاج إلى أصوله]

وإذا كان المستفاد متولدا مما عنده.. فإن الأولاد تضم إلى حول الأمهات بثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون متولدا مما عنده.
والثاني: أن تكون الأمهات نصابا.
والثالث: أن يوجد قبل تمام الحول.
فمتى وجدت هذه الشروط، وبلغت بالأولاد النصاب الثاني، فإنه يزكي عن النصاب الثاني، لحول الأمهات، وهو قول كافة الفقهاء.
وقال الحسن البصري: لا يضم إلى الأمهات، بل يستأنف لها الحول.
دليلنا: ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال للساعي: (اعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يده).
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه قال للساعي: (عد عليهم الصغار مع الكبار) ولا مخالف لهما.
إذا ثبت هذا: فإن ولد الشاة الأنثى يسمى أيام الولادة: سخلة، فإذا ترعرعت، سميت: بهمة، فإذا صار لها أربعة أشهر، وفصلت عن أمها، فإن كانت من المعز.. سميت: جفرة، والذكر: جفرا، فإذا رعى وسمن، سمي: عريضا، وعتودا، وجديا إذا كان ذكرا، وعناقا إن كانت أنثى.
فإذا ضمت الأولاد إلى الأمهات، ثم تلفت الأمهات أو بعضها، أو بقيت الأولاد، وهي نصاب.. فإنه لا ينقطع الحول، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال أبو القاسم بن بشار من أصحابنا: إذا نقصت الأمهات عن النصاب.. انقطع الحول في الأولاد؛ لأن الأولاد إنما تجري في حول الأمهات، بشرط أن تكون الأمهات نصابا، وقد زال هذا الشرط.
وقال أبو حنيفة: (إن بقي من الأمهات واحدة.. فالأولاد جارية في حول أمهاتها، وإن لم يبق منها شيء.. انقطع الحول).
دليلنا: أنها جملة جارية في الحول، هلك بعضها، ولم ينقص الباقي عن النصاب، فلم ينقطع الحول، كما لو بقي من الأمهات نصاب، وهو اختيار الأنماطي، وأبي حنيفة، كما لو بقيت واحدة.
وما قاله الأنماطي: ينكسر بولد أم الولد، فإنه ثبت له ما ثبت لأمه من حرمة الاستيلاد، ولو ماتت الأم في حياة سيدها.. بطل ما ثبت لها، ولا يبطل ما ثبت لولدها.

.[مسألة: إمكان الأداء من شرط الضمان]

قد ذكرنا أن الحول والنصاب شرطان في وجوب الزكاة، ومضى الكلام عليهما.
وأما إمكان الأداء.. ففيه قولان:
أحدهما: أنه من شرائط الوجوب، وبه قال مالك.
فعلى هذا: لا تجب الزكاة إلا بثلاثة شروط: الحول، والنصاب، وإمكان الأداء؛ لأن المال لو تلف بعد الحول، وقبل إمكان الأداء.. لم تجب الزكاة، فلو كانت الزكاة قد وجبت.. لم يسقط ضمانها؛ ولأن العبادات كلها إمكان الأداء شرط في وجوبها، ألا ترى أن العذر إذا طرأ بعد الزوال وقبل التمكن من الفعل.. لم يجب قضاء الظهر.
والقول الثاني: أن إمكان الأداء ليس بشرط من شرائط الوجوب، وإنما هو من شرائط الضمان، وبه قال أبو حنيفة، وهو الصحيح.
والدليل عليه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول». ولم يفرق بين أن يتمكن من الأداء، أو لا يتمكن.
ولأنه لو تلف المال بعد الحول.. كان عليه ضمان الزكاة، فلو لم تجب الزكاة فيه.. لم يجب عليه ضمانها، كما لو أتلفه قبل الحول.
وأما الصلاة: فإن الشمس إذا زالت.. فقد وجبت عليه الصلاة، ولكن لا يستقر عليه الوجوب إلا بالتمكن من الأداء، وكذلك هذا مثله.
وأما كيفية إمكان الأداء: فإن كان المال باطنا: كالذهب والفضة، ومال التجارة، وزكاة الفطر ووجبت الزكاة فيها.. فرب المال بالخيار: بين أن يفرق زكاتها بنفسه على أهل السهمان، وبين أن يدفعها إلى الإمام أو إلى الساعي، فمتى قدر على أحد هؤلاء الثلاثة.. فقد أمكنه الأداء.
وإن كان المال ظاهرا، مثل: النخل، والكرم، والزرع، والماشية.. فهل يجوز لرب المال تفرقة زكاته بنفسه، أو يجب عليه دفع زكاته إلى الساعي أو الإمام؟ فيه قولان، يأتي بيانهما.
فإذا قلنا: يجب دفعها إلى الإمام أو الساعي، فإن تلف المال قبل ذلك.. لم يلزمه ضمان زكاته، وإن طالبه الإمام أو الساعي، وبه قال مالك، وأبو حنيفة رحمة الله عليهما، فما لم يقدر على أحدهما.. لا يكون متمكنا من الأداء.
وإن قلنا: يجوز له تفرقتها بنفسه، فمتى قدر على الإمام أو الساعي أو أهل السهمان. صار متمكنا من الأداء.

.[فرع: ضمان الزكاة إذا أخرها]

وإذا وجبت عليه الزكاة، وتمكن من أدائها، فلم يؤدها حتى تلف المال.. لزمه ضمانها.
وقال أبو حنيفة في الأموال الظاهرة: (لا يلزمه الإخراج حتى يطالبه الإمام أو الساعي، فإن تلف المال قبل ذلك.. لم يلزمه ضمان زكاته، وإن طالبه الإمام أو الساعي، فلم يخرج حتى تلف المال.. لزمه الضمان). حكاه عنه البغداديون من أصحابنا.
وحكى عنه الخراسانيون من أصحابنا: (أنه لا ضمان عليه).
وأما الأموال الباطنة: (فإذا قدر على أدائها.. لزمه إخراجها، فإن لم يفعل حتى تلف المال.. فلا ضمان عليه).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]. ولم يفرق بين أن يطالب أو لا يطالب، فإن كان عنده نصاب من المال، فهلك بعضه بعد الحول، وقبل إمكان الأداء.. لم تجب عليه زكاة التالف، بلا خلاف، وأما زكاة ما بقي: فهل يجب عليه شيء؟ على القولين في إمكان الأداء.
فإن قلنا: إن إمكان الأداء شرط في الوجوب.. لم يجب عليه زكاة الباقي أيضا.
وإن قلنا: إن إمكان الأداء ليس من شرائط الوجوب، وإنما هو من شرائط الضمان.. لزمه زكاة ما بقي.

.[فرع: وقع النتاج الثاني قبل إمكان دفعها]

وإن كان عنده ثمانون شاة، فتوالدت بعد الحول، وقبل إمكان الأداء، حتى بلغت النصاب الثاني.. فهل يلزمه أن يزكي النصاب الثاني لحول الأمهات؟ اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: فيه قولان، بناء على القولين في إمكان الأداء.
فإن قلنا: إنه من شرائط الوجوب.. ضم الأولاد إلى الأمهات، وزكى الجميع لحول الأمهات؛ لأنها بلغت النصاب الثاني قبل الوجوب، فصار كما لو توالدت قبل الحول.
وإن قلنا: إن إمكان الأداء ليس من شرائط الوجوب، وإنما هو من شرائط الضمان.. لم يضم إليها في الحول الأول، كما لو توالدت بعد إمكان الأداء.
ومنهم من قال: فيه قولان من غير بناء:
أحدهما: يضم إليها في الحول الأول؛ لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للساعي: (اعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يده) وأراد به: بعد الحول، فأما ما تولد قبل الحول: فإنه بعد الحول يمشي بنفسه.
والثاني: لا يضم إليها، وهو الصحيح لأنها إذا لم تضم إليها بعد استقرار الزكاة بإمكان الأداء.. فلأن لا يضم إليها قبل استقرار الوجوب أولى.

.[مسألة: تعلق وجوب الزكاة]

وهل تجب الزكاة في عين المال، أو في الذمة؟ فيه قولان:
أحدهما: وهو قوله القديم -: (إنها تجب في الذمة، والعين مرتهنة بها).
ووجهه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في خمس من الإبل شاة». ولا يمكن أخذ الشاة من عينها، فعلم: أنه أراد: في ذمة رب المال عن ذلك المال.
ولأنه لو كان الحق متعلقا بعين المال.. لم يجز للمالك إسقاط حقهم من عين المال من غير رضاهم.
والثاني - وهو قوله في الجديد -: (أنها تتعلق بعين المال).
ووجهه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في أربعين شاة شاة». فأوجب الزكاة منها، فعلم: أن الزكاة تتعلق بعينها.
ولأنه لو لم تجب الزكاة لعين المال، لما سقطت بتلف المال، هذا ترتيب أصحابنا البغداديين.
وقال الخراسانيون: في محل الزكاة طريقان:
الطريق الأول منهم من قال فيه قولان:
أحدهما: تجب في الذمة، ولها تعلق بالعين.
والثاني: تتعلق بالعين. وفي كيفية تعلقها بالعين قولان:
أحدهما: على معنى استحقاق جزء من العين.
والثاني: كتعلق الجناية برقبة الجاني.
وحكى القفال قولا ثالثا: أنها تتعلق به كتعلق حق المرتهن بالرهن، ولهذا فائدة نذكرها في بيع قدر الزكاة.
والطريق الثاني - وهو قول أبي العباس -: أن المسألة على قول واحد، وأنها تتعلق بالعين. وفي كيفية تعلقها بها قولان:
أحدهما: بمعنى استحقاق جزء.
والثاني: كتعلق الجناية برقبة الجاني.
فأما تعلقها بالذمة: فليس بمذهب للشافعي. وطريقة البغداديين أشهر، وعليها التفريع هاهنا.
فإن كان معه أربعون من الغنم، ولم يؤد زكاتها حتى حال عليها ثلاثة أحوال.. نظرت:
فإن نتجت منها شاة سخلة عند ابتداء الحول الثاني، ثم نتجت شاة منها سخلة عند ابتداء الحول الثالث، وجاء الحول الثالث، وهي اثنتان وأربعون.. وجب عليه ثلاث شياه للأحوال الثلاثة؛ لأن النصاب لم ينقص في جميع الأحوال الثلاثة.
وإن لم يزد النصاب، ولم ينقص، بل حال عليها ثلاثة أحوال، وهي أربعون لا غير:
فإن قلنا: إن الزكاة تجب في العين.. فإنه يجب عليه شاة عند تمام الحول الأول، ولا تجب في الحول الثاني والثالث شيء فيها؛ لأن الفقراء ملكوا منها شاة عند تمام الحول الأول، فنقصت عن النصاب.
وإن قلنا: إن الزكاة تجب في الذمة.. فإنه يجب عليه شاة في الحول الأول، وهل يجب عليه بالحول الثاني والثالث شيء؟ ينظر فيه:
فإن كان يملك مالا من غير الغنم بقدر قيمة الشاة التي وجبت عليه من أول الحول الثاني إلى آخره.. وجبت عليه شاة ثانية عند تمام الحول الثاني.
وكذلك: إن كان يملك مالا من غير الغنم بقدر قيمة شاتين من أول الحول الثالث إلى آخره.. وجبت عليه شاة للحول الثالث.
وإن كان لا يملك مالا غير الأربعين من الغنم.. فإن قلنا: إن الدين يمنع وجوب الزكاة.. لم يجب عليه زكاة الحول الثاني والثالث.
وإن قلنا: إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة.. وجبت عليه الزكاة للحول الثاني والثالث، على هذا التفصيل، هكذا ذكر أكثر أصحابنا.
وأما الشيخ أبو إسحاق: فقال: إذا قلنا: تجب الزكاة في الذمة.. وجبت عليه الزكاة للحول الثاني والثالث من غير تفصيل، ولعله أراد: على الصحيح من القولين، في أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة. وبالله التوفيق.

.[باب صدقة الإبل السائمة]

الأصل في وجوب الزكاة فيها: قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الآية [التوبة: 103].
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البر صدقته».
إذا ثبت هذا: فبدأ الشافعي من المواشي بالإبل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ بذكرها في الصدقات. وليس فيما دون خمس من الإبل صدقة؛ لما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، فإذا بلغت الإبل خمسا، ففيها شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، فإذا بلغت خمسا وعشرين، ففيها ابنة مخاض»، وهي التي لها سنة، ودخلت في الثانية، وإنما سميت: ابنة مخاض؛ لأن أمها قد آن لها أن تكون ماخضا، أي: حاملا بغيرها:
فإذا بلغت ستا وثلاثين.. ففيها ابنة لبون، وهي التي لها سنتان، ودخلت في الثالثة، وسميت بذلك؛ لأن أمها قد آن لها أن تكون لبونا على غيرها.
فإذا بلغت ستا وأربعين.. ففيها حقة، وهي التي لها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة، وسميت بذلك؛ لأنها قد استحقت أن يطرقها الفحل، وهذا المروي في الخبر. وقيل: لأنها استحقت أن يحمل على ظهرها.
فإذا بلغت إحدى وستين.. ففيها جذعة، وهي التي لها أربع سنين، ودخلت في السنة الخامسة، وهي أعلى سن تجب في زكاة الإبل، وسميت بذلك؛ لأنها تجذع سنها.
فإذا بلغت ستا وسبعين.. ففيها بنتا لبون.
فإذا بلغت إحدى وتسعين.. ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة.. ففيها ثلاث بنات لبون.
قال أصحابنا: ولا خلاف فيما ذكرناه بين الصحابة والفقهاء، إلا حكاية تحكى عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: (في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه، فإذا بلغت ستا وعشرين.. فيها ابنة مخاض، فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة.. ففيها ثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة). هذا مذهبنا.
وقال مالك: (تجب في إحدى وتسعين حقتان، حتى تبلغ مائة وتسعا وعشرين، فإذا صارت مائة وثلاثين.. كان في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة).
وقال أبو حنيفة: (إذا بلغت مائة وعشرين.. استؤنفت الفريضة، فتجب في كل خمس شاة مع الحقتين، إلى أن تبلغ مائة وخمسا وأربعين، فتجب فيها حقتان وابنة مخاض).
وقال ابن جرير الطبري: إذا بلغت مائة وعشرين، ثم زادت.. فرب المال بالخيار بين أن يأخذ بما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبين أن يأخذ بما قال أبو حنيفة.
دليلنا: ما روي «عن أنس: أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب له لما وجهه إلى البحرين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المسلمين، والتي أمر الله بها عباده، فمن سألها على وجهها.. فليعطها، ومن سأل فوقها.. فلا يعطه: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم، في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين.. ففيها ابنة مخاض، فإن لم يوجد فابن لبون ذكر، فإن بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين.. ففيها ابنة لبون، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين.. ففيها حقة طروقة الفحل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين.. ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين.. ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين.. ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت الإبل على عشرين ومائة.. ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة» وإذا ثبت هذا: فمعنى قوله: التي فرضها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي: التي قدر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أمره الله به مجملا.
وقوله: «إذا سألها على وجهها.. فليعطها»: إذا أتى المصدق، وطلب الصدقة كما أمره الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. فإنه يعطى.
وأما قوله: «ومن سأل فوقها فلا يعطه»: إن سال فوقها بتأويل، مثل: أن يكون الإمام مالكيا يرى أخذ الكبيرة من الصغار.. فإنه لا يعطى الزيادة، ويعطى الأصل، وإن سأل فوقها بغير تأويل، مثل: أن يسأل عن أربعين شاة شاتين.. فاختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: لا يعطى شيئا؛ لأنه قد ظهر ظلمه، ودفع الصدقة إلى الظلمة لا يجوز.
ومنهم من قال: يعطى الأصل، ولا يعطى الزيادة؛ لاحتمال أن يكون سها أو نسي، فلا يمنع عن الواجب. قال ابن الصباغ: وهذا أصح. فإن ملك مائة وعشرين من الإبل وجزءا من واحدة.. ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي سعيد الإصطخري -: أنه يجب عليه فيها ثلاث بنات لبون؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا زادت على عشرين ومائة.. ففي كل أربعين بنت لبون». ولم يفرق بين أن يزيد واحدة، أو أقل.
والثاني - وهو المنصوص -: (أنه لا يجب فيها إلا حقتان)؛ لما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في كتاب الصدقة: «فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين.. ففيها ثلاث بنات لبون». وهذا نص لا احتمال فيه.
ولأن سائر الأوقاص لا تتغير بأقل من واحد، فكذلك هذا مثله.

.[مسألة: وجوب زكاة المواشي في النصاب]

وهل تتعلق الزكاة بالنصاب والوقص، أو بالنصاب وحده، والوقص عفو؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم والجديد: (تتعلق الزكاة بالنصاب، وما زاد عليها عفو). وبه قال أبو حنيفة، والمزني؛ لأنه وقص قبل النصاب، فلم يتعلق به حق كالأربعة الأولى.
والثاني: قال في " البويطي ": (تتعلق الزكاة بالجميع). قال أبو العباس: وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين.. ففيها ابنة مخاض»، ولأنه حق يتعلق بنصاب، فتعلق به وبما زاد عليه، كالقطع في السرقة.
إذا ثبت هذا: فالوقص - بتسكين القاف -: هو ما بين الفرضين، وحكي عن بعض أهل اللغة: الوقص، بفتح القاف.
فإن ملك تسعا من الإبل، فتلف منها أربع، فإن تلفت قبل الحول.. وجبت عليه شاة؛ لتمام الحول، وإن تلفت بعد الحول وبعد إمكان الأداء.. لم يسقط عنه من الشاة شيء.
وإن تلفت بعد الحول، وقبل إمكان الأداء.. فإن الشيخ أبا حامد، وأكثر أصحابنا قالوا: إن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الوجوب.. وجب عليه شاة بإمكان الأداء؛ لأنه جاء وقت الوجوب وعنده نصاب.
وإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الضمان:
فإن قلنا: إن الشاة مأخوذة من النصاب والوقص.. وجب عليه خمسة أتساع شاة، وهذا هو المشهور.
وحكى القاضي أبو الطيب، عن أبي إسحاق المروزي: أنه يجب عليه شاة على هذا. ولم يذكر وجهه.
قال ابن الصباغ: ووجهه عندي: أن الزيادة لما لم تكن شرطا في وجوب الشاة.. لم يسقط منها شيء بتلفها، وإن كانت الزكاة متعلقة بها.. فهو كما لو شهد ثمانية بالزنا، فرجم المشهود عليه، ثم رجع أربعة منهم، فإنه لا يجب عليهم شيء.
وإن قلنا: إن الشاة مأخوذة من النصاب، والوقص عفو.. وجبت عليه شاة.
وأما الشيخ أبو إسحاق في "المهذب": فلم يذكر هاهنا البناء على إمكان الأداء، ولعله أراد التفريع على القول الصحيح، فحصل في هذه المسألة وجهان:
أحدهما: تجب عليه شاة.
والثاني: لا يجب عليه إلا خمسة أتساع الشاة.
وإن هلك منها خمس بعد الحول، وقبل إمكان الأداء:
فإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الوجوب.. لم يجب عليه شيء؛ لأن وقت الوجوب جاء وعنده أقل من نصاب.
وإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الضمان.. بنيت على القولين الآخرين:
فإن قلنا: إن الشاة مأخوذة من النصاب، والوقص عفو.. وجب عليه أربعة أخماس شاة.
وإن قلنا: إن الشاة مأخوذة من النصاب والوقص.. وجبت عليه أربعة أتساع الشاة، فيحصل في هذه المسألة ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يجب فيها شيء.
والثاني: يجب فيها أربعة أخماس شاة.
والثالث: أربعة أتساع الشاة.

.[فرع: تلف بعض الماشية قبل إمكان الأداء]

فإن كان معه خمس وعشرون من الإبل، فتلف منها خمس من الإبل، بعد الحول، وقبل إمكان الأداء:
فإن قلنا: إن إمكانية الأداء من شرائط الوجوب.. لم تجب عليه ابنة مخاض، بل يجب عليه أربع شياه.
وإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الضمان.. وجب عليه أربعة أخماس ابنة مخاض.

.[فرع: تلف شطر الماشية]

وإن كان معه ثمانون شاة، فتلف منها أربعون: فإن كان قبل الحول، أو بعد الحول وبعد إمكان الأداء وجب عليه شاة.
وإن كان تلفها بعد الحول، وقبل إمكان الأداء:
فإن قلنا: إن إمكان الأداء من شرائط الوجوب.. فعليه شاة أيضا.
وإن قلنا: إنه من شرائط الضمان:
فإن قلنا: تجب الشاة في النصاب والوقص.. وجب عليه نصف شاة.
وإن قلنا: تجب عليه في النصاب، والوقص عفو.. فعليه شاة.
قال ابن الصباغ: ويجيء على الوجه المحكي عن أبي إسحاق: أنه تجب عليه شاة بكل حال.

.[مسألة: وجوب الغنم في دون خمس وعشرين من الإبل]

الواجب فيما دون خمس وعشرين من الإبل: إخراج الغنم، ولا يطالب إلا بالغنم؛ لأنه هو الفرض المنصوص عليه، فإن اختار أن يعطي بعيرا منها.. جاز، بشرط أن يكون مما يجزئ في خمس وعشرين، هذا قول عامة أهل العلم.
وقال مالك وداود: (لا يجزئه).
دليلنا: أن البعير يجزئ عن خمسة وعشرين، فلأن يجزئ عما دونها أولى.
وإن كانت الإبل من أصناف، أعطى بعيرا متوسطا منها.. قال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كان له ذلك وإن كان أردأها)؛ لأنه أفضل من الشاة، وهل الجميع فرضه؟ فيه وجهان:
أحدهما: أن الجميع ليس بفرض، بل الفرض يقسط على خمس وعشرين، فإن أخرجه عن خمس.. كان خمسه فرضا لا غير، وإن أخرجه عن عشرة.. كان فرضه خمساه لا غير، والباقي تطوع؛ لأنه يجزئ عن خمس وعشرين، فدل على أن لكل خمس من الإبل خمس بعير.
والثاني: أن الجميع فرضه؛ لأنه خير بين الشاة والبعير، فأيهما اختار إخراجه.. كان ذلك فرضه، كمن خير بين غسل الرجلين والمسح على الخفين.
قال ابن الصباغ: ولو كان ما قاله الأول صحيحا.. لأجزأه خمس بعير.
وهكذا: إذا أخرج المتمتع بدنة.. فهل الجميع فرضه أو سبعها؟ على هذين الوجهين.
وإن اختار إخراج الغنم.. أخرج جذعة من الضأن، أو ثنية من المعز؛ لما «روى سويد بن غفلة، قال: أتانا مصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: نهينا عن أخذ الراضع، وأمرنا أن نأخذ جذعة من الضأن، وثنية من المعز» وهل يجزئ فيه الذكر؟ فيه وجهان:
الأول: من أصحابنا من قال: لا يجزئه؛ لحديث سويد بن غفلة.
والثاني: يجزئه، وهو المنصوص؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل خمس شاة». ولم يفرق. وأما جنسها: فقال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وأكثر أصحابنا: إنه يجب عليه من غالب غنم البلد، إن كان بمكة.. فالشاة مكية، وإن كانت غنمه غير ذلك، فإن كان ببغداد.. فتجب عليه شاة بغدادية. وإن كانت غنمه غير ذلك.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا أنظر إلى الغالب من غنم البلد. قال الشيخ أبو حامد: أراد به في الصنفين، يعني: الضأن والمعز.
وقال مالك رحمة الله عليه: (إن كان غالب غنم البلد الضأن.. فعليه أن يخرج الضأن، وإن كان غالب غنم البلد المعز.. فعليه أن يخرج المعز). وكذلك طريقة الشيخ أبي إسحاق في "المهذب" في الأغلب، كقول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا ليس بصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل خمس من الإبل شاة». ولم يفرق بين الضأن والمعز.
فإن عدل عن نوع بلده إلى نوع بلد آخر: فإن كان خيرا من نوع بلده أو مثله.. أجزأه، وإن كان دونه.. لم يجزئه.
وإن كانت الخمس من الإبل مراضا.. ففي شاتها وجهان:
أحدهما: يجب عليه أن يخرج شاة تجزئ في الأضحية، وهو المذهب؛ لأنه لا يعتبر فيه صفة المال، فلم يختلف بصحة المال ومرضه، كالأضحية، وفيه احتراز منه إذا كانت الزكاة من جنس المال المزكى.
والثاني: قال أبو علي بن خيران: لا يجب عليه إلا شاة بالقسط؛ لأنه لا يجب في المال المريض صحيحة إذا كان الفرض من جنسه، فكذلك إذا كان الفرض من غير جنسه.
وكيفية التقسيط هاهنا: أن يقال: لو كانت هذه الخمس من الإبل صحاحا.. كم قيمتها؟
فإن قيل: قيمتها ألف.. قيل: فكم قيمة الشاة الواجبة فيها؟ فإن قيل: عشرة.. قيل: فكم قيمة هذه الإبل المراض؟ فإن قيل: خمسمائة.. قيل له: أخرج شاة قيمتها خمسة.
قال ابن الصباغ: فإن أمكن أن يشتري بها شاة، وإلا فرقت دراهم على المساكين.